القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل السابع وعشرون 27( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات


رواية لإجلها الفصل السابع وعشرون 27( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات 








رواية لإجلها الفصل السابع وعشرون 27( الجزء الثاني)بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات 


 الفصل السابع والعشرون ج٢ 

**"كم كان الطريق موحشًا، حين خُطِفت قدماي إلى ساحةٍ لم أخترها…

ساحة نُصِبت فيها العيون قبل أن تُنصَب الكلمات.

أُغرِقتُ في معركة لم أُعلن يومًا أنني جُنديّ فيها،

كأنّ الهمسات سهام،

والنظرات قاضٍ لا يعرف للرحمة سبيلًا.


أنا التي خُدشت كرامتها بكلماتٍ عابرة،

أنا التي انكمشت بين زوايا قلبها، تخشى من ظلّها،

تتحسّس ملامحها كأنها باتت غريبة عنها.


وكم كان اللوم ثقيلًا…

لا عليه، بل على قلبي الذي وثق،

على ضعفي حين التزمت الصمت،

وعلى خوفي الذي خنق صرختي.


لست قوية بما يكفي لأبدو بخير،

ولا هشّة بما يكفي لأبكي أمامهم.

أنا فقط… متعبة."**

المراجعة والخاطرة القمر / سنا الفردوس 

......................


الفصل السابع والعشرون ج٢ 




في دار الضيافة التي أُعدت لاستقبال الزوّار من أبناء عمومته وبعض المعارف الأعزاء عليه، لم يُقصّر هو ولا أشقاؤه في العمل على إكمال المأدبة على أكمل وجه؛ من بداية الحفاوة في الاستقبال، مرورًا بالمأدبة الفاخرة، حتى وصلوا الآن إلى الطواف على الحاضرين بكافة المشروبات الساخنة والباردة والحلوى التي أرسل في طلبها من أغلى محلات المحافظة.

كان يغمره ابتهاج غير عادي، متأمّلًا أن تكون المرة القادمة المأدبة الأهم في عمره... مأدبة عرسه.


ــ "الله ينور عليك يا أبو ريان، العزومة النهاردة حاجة فاخر من الآخر يعني! كل دي تكاليف يا راجل على عزومة لعيال عمّك؟! أمال لو فرح، كنت عملت إيه؟!"


تمتم بتلك الكلمات شقيقه الأصغر بعد أن تمكّن أخيرًا من الجلوس بجواره، ليعلّق شقيقه الأوسط، خليفة، قائلًا:


ــ "ما يعمل دلّوك، ويعمل بعدين يا سيدي، مدام في كل الأحوال إحنا اللي بناكل وإحنا المستفيدين! ولا هو أكل وبحلجة؟!"


تبسم حمزة موافقًا:


ــ "أيوه والله، جوله يا خليفة، عايز ياكل ويسأل كمان؟!"


أذعن خليفة بمرح ينفذ الأمر قارصاً بذراعه علي عنق معاذ أصغرهم:


ــ "لا طبعًا مش من حقه! احترم نفسك يا واض، احترم نفسك يا جليل الرباية! يا تاكل يا تسأل!"


ضحك معاذ وهو يقاوم ذراع شقيقه، ليتبادل الثلاثة المزاح والمداعبات، حتى تذكّر حمزة شيئًا ما، فنهض من جوارهم متوجهًا إلى مجموعة من الصغار، جلس بينهم صغيره يلعب معهم. دنا منه وأمسكه من يده:


ــ "واض يا ريان، تعالَ... عايزك."


استجاب ريان لسحبه حتى ابتعد به حمزة إلى ركن ما، بمسافة آمنة تمكنه من الحديث معه بحرية:


ــ "نعم يا أبوي؟"


ــ "مِنْحرِمْش يا عين أبوك، أنا بس كنت عايز أسألك سؤال كده يعني... راجل لراجل."


ــ "جول يا بوي، أنا راجل وسيّد الرجال!"


حكّ حمزة بأنامله على ذقنه بتفكير ورويّة قبل أن يسأل وينتقده بحرص:


ــ "طبعًا يا حبيبي... بس أنا كنت عايز أسألك، يا سيد الرجال، مش برضك كان لازم تبلغ أبوك؟ ولا تاخد رأيه قبل ما تعزم أمك من نفسك؟ طب كنت جولي، عشان تيجي مني أحسن."


شرد ريان قليلًا حتى تذكّر، ثم أجابه:


ــ "بس أنا ما دعتهاش من نفسي، ولا جولتلها تعالي غير لما هي سألتني."


سأله حمزة بعدم فهم:


ــ "إزاي يعني؟ وضّح أكتر."


شرح له ريان:


ــ "يا بوي، هي اللي سألتني في التليفون، وهي بتكلمني عن العزومة اللي انت عاملها... عازم مين ومين؟ ولما جولتلها فلان وفلان، زعلت، وجالتلي: يعني كل الناس معزومة إلا أنا؟!

جولتلها تعالي، في حمايتي، مش أنا ولدك برضو؟"


تصنّع حمزة ابتسامة باهتة ليصرفه، فذهب، وتوقف هو مغمغمًا لنفسه:


ــ "يعني عزمت نفسها... وكانت عارفة بميعاد العزومة... يا ترى إيه وراكي يا روان؟!"

!

.............................


في الردهة الواسعة للمنزل الجديد، حيث المأدبة الفاخرة التي ارتصت عليها أشهى الأطعمة بمختلف أنواعها،

كانت تضم عددًا لا بأس به من النساء المدعوات من العائلة، من أبناء عمومته وشقيقاته وبناتهم، ترأسها الحجة حسنية، التي تطوف على الجميع وتراعي، بمساعدة بناتها أو حفيداتها اللاتي لا يقصرن معها.

تشاركهن مزيونة، التي أذعنت لتلبية الدعوة تحت الإلحاح، لتضطر إلى تناول الطعام معهن.

مع أن وضعها طبيعي جدًا بصفتها والدة ليلى ونسيبتهم كما يقولون، إلا أنها كانت تشعر بالغربة وسطهن،

رغم ترحيب حسنية المبالغ فيه، وبناتها في معاملتهن الخاصة لها ولابنتها.

أو ربما هذا ما كان يزيد الأمر سوءًا عليها، أمام تلك المرأة زوجة حمزة السابقة،

فقد كانت تحدجها بنظرات غير مريحة، لا ترفع بصرها عنها إلا قليلاً، حتى وهي تلوك الطعام الآن.


منذ بداية حضورها وهي تتفحصها من حجاب رأسها في الأعلى حتى خف قدميها.

ليست غبية عن نظرتها الدونية لها، وكأنها تقصد أن تشعرها بالنقص،

بذلك الفرق الشاسع بين واحدة ترتدي ملابس عادية جدًا، عبارة عن عباءة سوداء وحجاب سماوي ترتديه أحيانًا حتى في المنزل،

وبين تلك التي تجلس بعظمة، وهيئة ملوكية رغم بساطة الملابس الغالية أيضًا،

امرأة راقية ومتعلمة وجميلة أيضًا. منطقيًا لا توجد منافسة من الأساس،

إذن، لماذا لا توفر جهدها ولا تزعجها أصلًا؟!

فقد رحمها الله أن عرفت قدر نفسها من البداية حتى لا تعلّقها بالأحلام.


كانت مكشوفة لدرجة لفتت انتباه ابنتها، لتهمس لها بنزق:

ـ هي مالها الست دي بتبصلك كده ليه؟ طالعة معايا أحرجها جدام النسوان وأسألها؟


شهقة أجفال كتمتها مزيونة داخلها، لتوجه الأمر نحو ابنتها التي أصبحت تبادل روان النظر بعدائية:

ـ اجفلي خشمك يا زفتة وشيلك عنها، مش عايزين حد ياخد باله من الحريم ولا البنتة.


بتحدٍّ أحمق، عارضتها ليلى:

ـ مش لما تشيل عينيها هي الأول، وتحط همها في الطبق اللي جدامها؟


هذا أكبر من تحمّلها؛ ابنتها تدفعها عفويتها للتهور الذي قد تُدفع ثمنه بفضائح هي في غنى عنها.

لم يسعفها سوى نظرة حازمة محذّرة، أخرست ليلى وجعلتها تصرف نفسها عن مواجهة تلك المرأة،

لتضع همها مُجبرة في الطعام، غافلتين عن مراقبة ثاقبة من إحداهن، بأعين متوعّدة، مترقّبة!


.................


داخل غرفتها، وكانت منكفئة على مجموعة من الكتب تعمل على تحضير جدول الغد من دروس المواد التي تُدرّسها، لم تنتبه لدخول شقيقتها إلا عندما وضعت أمامها كوبًا كبيرًا من العصير الطازج، فرفعت رأسها إليها بامتنان:


ــ "وه، رغد هانم بحالها عاملة العصير وجايباهولي عندي! دا إيه الهنا دا يا ولاد؟!"


تبسّمت لها المذكورة، تُعقّب بطريقتها الصعبة في النطق بعض الشيء:


ــ "وو... وهو يعني... رغد، عندها أأأغلى ممنك يعني، يا ستّ اعتماد؟"


نفت الأخيرة بهزّ رأسها ونظرة حانية نحو شقيقتها الجميلة الرقيقة، أصغرهم. فقد أُصيبت رغد بمرض ما وهي طفلة، ولم تتمكن من العلاج منه لظروف الفقر الشديد، حتى أثّر على جهاز النطق لديها.

وظلّت لفترة طويلة لا تتحدث إلا بالإشارة، ولكن فور أن تمكنت اعتماد من الحصول على المال، فعلت أقصى جهدها من أجل علاجها، في رحلة طويلة انتهت إلى تلك النتيجة. كانت تريد لها المزيد، لكنها تحمد الله على ما تحقق.


ــ "ولا اعتماد عندها أغلى من رغد! انتي عيني من جوا، يا حبيبتي."


ــ "وو... روووضة، اننتي دايمًا ككنت بتجولي كده."


زفرت اعتماد بيأس، تعلّق على قولها:


ــ "أنا فعلًا طول عمري بقول كده... بس أختك تعبتني جوي، وشكلي مش هتستريح غير لما تجيب أجلي!"


ــ "بببعد الشر عليكي! رووضة طيبة... ببس مشكلتها جوزها عفِش."


ردّت اعتماد بابتسامة ساخرة:


ــ "عادي يا حبيبتي... ما كل الرجالة عفِشين! الرك على الحرمة نفسها.

واختك بهبلها هي اللي بتعشّم الصايع جوزها في استغلالها.

والله، لو تملك نص عجلك بس، لكانت ريّحتني."


ضحكت رغد، ليشرق وجهها الجميل بمرح تعشقه شقيقتها الكبرى، بل وتعتبر ابتسامتها وضحكتها بمثابة جائزة لها في عزّ لحظاتها يأسًا. ببراءتها تشعر أن الدنيا ما زالت بخير.


ــ "صحيح... تلييفووونك فييينه؟"


تنهدت تجيبها بغيظ:


ــ "باظ يا حبيبتي، خد نصيبُه وراح!"


صمتت تتذكر من تسبّب في إعطاله، لتضغط على شفتها بحنقٍ شديد كلما أتى بعقلها عرضه عليها هاتفًا جديدًا من أحدث صيحة، ثم ومن دون كلام، رفعه عنها قبل أن يسمع الرد بصورة أقوى!

مغرور... وجليل ذوق... وشايف نفسه، عشان ما هو حلو حبتين!

.............................


انتهى الغداء الكارثي لها، في ظل أجواء من التوتر لم تشهدها من قبل.

كم ودّت أن تترك كل شيء وتهرول على الفور إلى منزلها،

ولكن الحجة حسنية، التي أصرت عليها للمجيء، هي نفسها من أجبرتها بلطفها الشديد على أن تنتظر معهن وتشاهد جلسة المديح من شيخ البلدة،

بعد أن أنهى تلاوة القرآن لتحصين المنزل الجديد وزرع البركة به.


من خلف الباب الداخلي لساحة الضيافة التي أعدها حمزة، جلست النساء،

ووقف بعضهن يتابعن الصوت العذب الذي يشدو بأجمل القصائد، وخلفه يردد الحاضرون من رجال في الخارج ونساء في الداخل،

باندماج يُثير الإعجاب ويريح النفوس الشاردة لأن تفصل عن واقعها هذه اللحظات، حتى تمر دون شعور بالوقت.


قمر سيدنا النبي قمر...


حين توقف الرجل عن الإنشاد برهة، انتبهت، تكتفي من الجلسة والمشاركة، وقد فعلت ما عليها،

تخاطب ابنتها هامسة:

ـ بت يا ليلى، أنا رايحة بيتي، هتاجي معاي على ما الليلة تخلص وجوزك ياجي ياخدك؟


ردت ليلى بلهفة:

ـ لا، أنا عايزة أدخل الحمام الأول، بجالي مدة طويلة عايزة أجوم ومكسوفة أستأذن، البيت ما شاء الله كبير وأنا مش عارفة فيه حاجة.


ـ وساكتة ومجولتيش؟! آخدك أنا على بيتي يا موكوسة!


تمتمت بها تُوبّخ ابنتها وهي تهم بالنهوض، مما جعلها تلفت انتباه منى الجالسة بجوارها،

فعلّقت بطرافتها كالعادة:

ـ ما تثبتي يا ولية وبطلي فرك، على ما نخلص الليلة مع بعض! هو إحنا كل شوية هنقولك اجعدي؟


ضحكت مزيونة وردّت بحرج:

ـ يا ستي، انتي بلاش ظلمك ده، بنيتي عايزة تدخل الحمام، هاخدها على بيتي ورجعالكم تاني.


ـ تسحبيها على بيتك عشان تدخل الحمام يا مجنونة؟ وهنا إيه؟ مفيش؟ جومي يا بت تعالي...


قالتها منى لتنهض، تجذب ليلى من يدها، ذاهبة بها، وتبعتهما مزيونة حتى توقفت في منتصف الطريق، تنبّههما:

ـ أنا هستناكم هنا طيب.

وافقتها منى بحماس:

ـ تمام، استنينا عشان نرجع وناخد جعدتنا مع بعض، بعيد عن الحريم الفقر.


تبسمت مزيونة لمقترحها، لتتوقف، متحولة بنظرة خاطفة داخل أرجاء المنزل الفخم،

بعد أن خلى تقريبًا من الأفراد، لاجتماعهم عند دار الضيافة والاستمتاع بالمديح.


انتبهت إلى قنينة المياه الموضوعة على الطاولة التي تتوسط المساحة الشاسعة،

لتشعر برغبتها في الارتشاف منها، فاقتربت، لتضع منها في كوب وتشرب.


في نفس الوقت، كان شخصٌ آخر قد دلف إلى المنزل، فوقعت أبصاره عليها،

ليتجمد في مكانه، وقد ارتجف قلبه داخل صدره برؤيتها وحدها تحتل المساحة الشاسعة دون مشاركة من أحد،

نعم، فهو منزلها وهي سيدة الدار، حتى وإن كانت تجهل هذه الصفة حتى الآن.


وكأنه عاد إلى أيام الصبا واندفاع المراهقة،

تحركت أقدامه دون تفكير نحوها، يلتقط فرصته في الحديث معها:

ـ مجولتيش رأيك إيه في البيت؟


شهقة أجفال صدرت منها بصوت عالٍ، حتى سقط منها كوب الماء بما يحتويه على الأرض،

بعد أن فاجأها بحضوره وقوله، لتستدرك سريعًا، متوجهة إليه بنظرة نارية،

ويدها لوّحت إليه باستفهام لاهث، فالتقطها بفطنته، يعلّق بمرح:

ـ سلامتك من الخضة، أنا كان جصدي أسألك بس مش أخلعك.


ألقت نظرة سريعة إلى الخارج بتوتر، ثم عادت إليه موبّخة:

ـ وفرجت إيه؟ انت أصلًا إيه اللي جايبك هنا؟ سايب كل اللمة اللي برا وجاي لي أنا؟!


ردّ يتحفها بابتسامة عابثة غير مكترث:

ـ وأسيب العالم كله كمان وأجيلك! يهمني أعرف رأيك، رأيك أهم عندي من الكل.


ـ يخرب مطنك...


تمتمت بها، تُغمض عينيها بتعب، ثم أردفت:

ـ يا سيدي، هو انت طلعتلي منين؟ مالي أنا؟ ولا انت مالك بيا عشان يهمك رأيي؟ دا بيتك وانت حر فيه، عملته قصر ولا عِشّة، أنا إيه دخلي؟


التمعت عينيه ببريق خاطف، تتجلّى فيهما الإجابة بكل وضوح حتى دون أن ينطقها، يراوغها بمكر:

ـ وه، ولما انتي إيه دخلك؟ أمال مين اللي له دخل؟! هو البيت اتبنى هنا ليه أصلاً؟


تلك السهولة التي تحدث بها، وعيناه تنطقان بما لا يدع مجالًا للشك في صدقه،

لتتجمد في مكانها كالتمثال، تُعاد الكلمات بذهنها مرارًا وتكرارًا، والمعنى يتجلّى أمامها بوضوح الشمس،

حتى تمكنت من الرد أخيرًا بتلعثم وهروب:

ـ كنك شارب وجاي تستظرف! سيبهولك خالص البيت اللي انت فرحان بيه ده.


كادت أن تلتف وتذهب، ولكنها وجدته يتصدر أمامها بابتهاج يغمر قلبه،

هروبها المتعمد وارتباكها الملحوظ أمامه الآن، كل تلك المظاهر تؤكد تأثيره الطاغي عليها حتى وإن أنكرت:

ـ انت بتتصدر جدامي زي العيال الصغيرين، زوّدتها جوي، قسماً بالله لو ما اتزحزحت من جدامي، لأفضحك وأجلبها ليلة طين!


ضحك بعدم اكتراث بكل ما أردفت به، مرددًا:

ـ بعد الشر، ما تبجى طين ولا زفت، إن شاء الله هتبجى فل وآخر تمام. البيت كمل واتبنى، ومعدتش فاضل كتير...


ختم بتنهيدة ساخنة قبل أن يتحرك ويتركها:

ـ هااانت، هاااانت.


توقفت في أثره، تتبع خروجه واختفاءه من أمامها،

بدوار بات يطيح برأسها، وأقدام لا تقوى على حملها، وكأن الأرض ذاتها تهتز من تحتها،

وما عادت ثابتة كما عهدتها دائمًا.

ماذا تبقى ليطلبها صريحة؟ وإن فعل... ماذا سيكون ردها؟...


ـ ما شاء الله، دا الحلوة عايشة في الدور على آخره كمان؟


ذلك الصوت الأنثوي الذي أتى من البعيد أعادها إلى عالمها الحقيقي،

فتحت عينيها جيدًا نحو تلك المرأة التي تتربص بها منذ حضورها،

تقف مقابلها تمامًا، تطلق شررًا من ناريّتها قادرًا على حرق من يقف أمامها.


تحدثت مزيونة بتشتت، بالكاد تستوعب ما يحدث:

ـ فيه إيه؟ انتي بتكلميني أنا؟


ـ أمال يعني بكلم خيالك ياختي؟!


صدرت منها كردٍ يصعق مزيونة بجرأتها، وقد تحولت إلى امرأة أخرى،

تنزع عنها ثوب الرقي الذي تتحلى به أمام الجميع،

مستغلة غياب المدعوين، يساعدها الصوت العالي للمديح الذي أصبح يصدح بقوة،

مع مشاركة الرجال، لتفرغ بحرية شحنة الغضب المكبوتة في صدرها:


ـ فكراني عامية ولا مغفلة على عمايلك المكشوفة مع أبو ابني؟

بتلفي وتدوري حواليه زي الحية!

تلفّي عليه شباكك! هو انتي ملكيش راجل يلمّك؟ ارجعي لجوزك يا ماما، وبلاها الرخص وقلة القيمة من واحدة زيك!


وكأنها في كابوس حقيقي، تكذّب أذنيها وعينيها ما تسمعه أو تراه،

وعقلها يأمرها بالشجاعة والثبات أمام تلك المخلوقة:


ـ انتي مرة جليلة أدب ومش محترمة، وأنا لولا عاملة احترام للبيت اللي واقفة فيه وناسه، كنت عرّفتك مجامك!


ـ تعرفي مين مقام مين يا حيوانة؟!


تطاولت هذه المرة لتمعن في إهانة مزيونة، تمسكها من طرف جلبابها بازدراء،

تواصل تحقيرها أمام نفسها:


ـ بزمتك، انتي مش دريانة بنفسك؟ بترسمي على حمزة خريج الجامعة وابن العيلة المأصلة؟

ده أنا مشغلكيش خدامة عندي بمنظرك ده! أقل واحدة عندي معاها كلية أو معهد على الأقل!

ما تصحي لنفسك يا حلوة، ده انتي شهادة الإعدادية ما خدتهاش!


الصدمة التي تباغت الإدراك وسط سطوة الإهانة على عزة النفس،

فتعقد اللسان وتُحدث في الجسد جمودًا يماثل الشلل،

حتى يستوعب الشخص ما يحدث، ثم يأتي رد فعله...


كانت هذه حال مزيونة، حتى أتت يد تعرفها جيدًا، تبعد تلك المرأة عنها،

وتتصدر هي لها، صائحة بها:

ـ بتعملي إيه يا مرة يا مخبولة؟ شيلي يدك عن أمي بدل ما أجطعهالك!


كانت تلك ليلى، التي هالها مشهد والدتها وإهانتها من تلك المرأة،

فأتت راكضة للزود عنها، تدفع روان بقوة حتى كادت أن توقعها،

وكأنها تحولت إلى وحش للدفاع عنها. فتدخلت منى هي الأخرى بعد أن وصلت خلفها، تحدجها المذكورة بنظرة نارية،

لتضطر الأخرى إلى التبرير لها:


ـ أنا آسفة يا منى، بس والله غصب عني،

لو شُفتي بعينك اللي شُفته من الست دي وهي بتحاول تغوي حمزة هنا...


شهقة قوية كانت هي الرد الذي جاء متأخراً من مزيونة، في تناقضٍ واضح مع ابنتها التي كانت واعية تمامًا لأخذ حق والدتها، فارتفعت يدها لتحط على خد الأخرى بـلطمةٍ قوية صرخت على إثرها روان بألم، يتبعها قول ليلى:


ــ "جطع لسان اللي يجيب سيرة مزيونة الحرة بكلمة واحدة."


وعلى الرغم من مباركة منى لفعل ليلى، إلا أن ما حدث بعد ذلك جعلها تعيد التفكير، فقد علا صوت روان قاصدة أن يصل للنساء المتابعات للمديح بالقرب منهن:


ــ "قبل ما تمدي إيدك على أسيادك، لمي والدتك اللي هتبقى جدة بعد كام شهر عن أبو ابني، اللي عايزة تكوش عليه وتحرمه من لم شملنا من تاني!"


ــ "تاني؟ هتجلي أدبك النهاردة والله لأربيكي يا مهزجة، عشان تعرفي مين سيد مين؟"


هتفت بها ليلى، وهمّت بالهجوم عليها بالفعل، ولكن مزيونة كانت الأسرع، فتشبثت بابنتها ومنعتها. أما منى، التي ارتجفت من تطور الموقف، فقد بدأت تدفع روان لإخراجها:


ــ "امشي يا روان، امشي يا روان، إنتي مش كد غضب حمزة لو عرف."


كادت أن تنجح في صرفها، لولا صيحة أتت من الخلف:


ــ "إيه اللي حصل؟ مالها ليلى شابطة ليه في روان وبتتعارك معاها؟"


كان من البديهي تمييز هواية صاحبة الصوت هالة، لتشرع في إسكاتها، لكن ما لم تحسب حسابه هو عدد السيدات اللاتي قدِمن خلفها يتساءلن:


ــ "فيه إيه؟ حصل إيه يا جماعة؟"


استغلت روان هذا الدعم لتنزع نفسها من بين ذراعي منى، تصرخ طالبة النجدة من شريكتها:


ــ "الحقيني يا هالة، منى عايزة تطردني عشان ب..."


قطعت مجبرة حين وضعت منى كفها على فمها تصمتها، طالبة من النساء التراجع:


ــ "لو سمحتوا ارجعوا مكانكم، دا شأن عائلي..."


تدخلت حسنية، وقد أتت بحالة من الفزع، لتوجه سؤالها إلى ابنتها ببساطتها:


ــ "هو إيه شأن عائلي؟ إيه اللي حصل يا بتي؟"


ظلت منى بكفها فوق فم الأخرى، تفكر سريعًا في حل، تنقل نظرة خاطفة نحو مزيونة التي تتمسك بها ابنتها خشية سقوطها، فقد كانت في حالة يُرثى لها. ولكن قبل أن تجيب، سبقتها هالة:


ــ "شكلها عركة كبيرة بين ليلى وروان، عشان حد من العيال دخل عليّا وبلغني وأنا بتفرج معاكم على المديح إن ليلى ضربت روان بالقلم على وشها!"


شهقات وهمهمات صدرت فجأة من النساء، وقد توجهت أبصارهن نحو ليلى، التي لم تستطع ترك والدتها، وقد بدت أمامها كالغريق الباحث عن طوق نجاة، فتحدثت مقلدة نبرة منى في الحكمة:


ــ "زي ما جالتلكم عمتي منى، موضوع شخصي..."


ــ "موضوع شخصي وهي بتلعب معاكي يا بنيتي؟ دي روان بت أصول ومافيش في أدبها!"


صاحت بها إحدى السيدات، مع تناثر بعض التعليقات، حتي عادت هالة للتدخل، مع تراخي الأخرى بدأت تخشى نتائج تهورها:


ــ "ولما هو موضوع شخصي بينك وما بينها، دخله إيه عمك حمزة؟ مع سيرة مزيونة اللي اتنتورت كمان واحنا داخلين عليكم وسمعناكم!"


ارتخت ذراعا منى عن إسكات روان بيأس، وقد دب الحماس بالأخيرة لتُخرج نفسها عنوة، مدفوعة بكلمات هالة التي شجعتها على المواصلة، فتردف بمظلومية:


ــ "أيوه، هو سبب المشكلة يبقى حمزة! أبو ابني اللي بيحلم باليوم اللي نرجع فيه ونعيش سوا، الست دي هي اللي عايزة تضيع الأمل بينا بألاعيبها القذرة!"


ــ "جطع لسانك! إنتي تاني؟ هتجلي أدبك!"


صرخت بها ليلى، تحاول الفتك بها، ولكن هذه المرة منعتها امرأة كانت بالقرب منها، ووالدتها التي تماسكت لتتشبث بها هاتفة:


ــ "سيبك منها وروحي على بيتك، أنا كمان ماشية خالص وسايبة البيت ده!"


عمّ الهرج مع تدخل بعض النساء لفض الاشتباك بين الفريقين: روان التي تبكي بمظلومية، ومزيونة التي تحاول الخروج، والنساء يمنعنها، ويحاولن السيطرة على ليلى التي كانت مصرة على ضرب روان مرة أخرى، حتى صدح الصوت الجهوري بخشونة أوقفت الجميع:


ــ "إيه اللي جرى؟ صوتكم واصل للجسر اللي ورا البيت؟ حتى الشيخ في المندرة بطل مديح من كتر صراخكم اللي غطى عليه! مالكم، اتجنيتوا؟"


خرست الأصوات جميعها، وخيّم الصمت على الرؤوس، روان صارت ترتجف لرؤيته، وذلك الوجه الصارم بحدة، الذي تعرفه جيدًا من عشرتها معه، هيبته التي أرعبت حتى النساء اللاتي لا شأن لهن بالأمر من الأساس. وقد بدا كالحائط بوجهه المشتد بتجهم، يقف بجوار شقيقيه، اللذان لا يقلّان عنه حزمًا.


فتحدث خليفة هو الآخر:


ــ "خرستوا دلوك بعد ما جيبتولنا الفضيحة جدّام الناس الغريبة؟"


أضاف عليه معاذ:


ــ "أيوه والله، دلوك لبّدتوا في بعض زي البسس، بعد ما خدنا الكسفة، ووشنا بجى في الأرض! مش عارفين نلمّها إزاي! دلوك، عايزين نعرف، مين منكم كانت بتتعارك؟"


ــ "مرتك."


صدحت قوية من إحدى السيدات، وأكملت عليها:


ــ "كانت بتتعارك مع طليجة أخوك، روان، وضربتها بالقلم على وشها!"


اتجهت أبصار الرجال الثلاثة نحو الاثنتين، ليلى التي انتصب ظهرها، تعترف دون تردد:


ــ "أيوه، ضربتها، ومستعدة أضربها مية مرة تاني، اللي يغلط في أمي أحطه تحت جزمتي!"


استمعوا إليها، لتتجه الأنظار نحو الطرف الآخر، بإستفسار وتحفز، حتي ارتعدت مفاصلها، لا تشعر بدقات قلبها، يكاد أن يتوقف رعباً من نظرة حمزة، الذي احمرت عيناه فجأة، ينقل بصره من مزيونة إليها، يتساءل بخطر:


ــ "الكلام دا حجيجي؟ وانتي فعلاً غلطتي فيها؟"


خرج صوتها على الفور، تبرر بكذبٍ وتلجلج:


ــ "لا لا، أنا مغلطتش فيها... بنتها هي اللي فهمت غلط... أنا... أنا..."


تركها على مضض، موجهًا أنظاره نحو مزيونة:


ــ "أنا اللي غلطانة، مش هي... خلوني أعدي وسبوني أمشي، الله يرضى عنكم، من طلع من داره اتجل مجداره، وأنا عرفت مجداري زين... خلوني أعدي."


ــ "لا طبعًا، محدش هيطلع من هنا غير لما أعرف كل اللي حصل!"


هدر بها حمزة قاطعًا، والجنون يتراقص في عينيه، يردف موجهًا نظره نحو الجميع:


ــ "واحدة فيكم ترد بدالهم، يا أولّع فيكم كلكم!"


ردّت منى، وقد تعبت من الجذب بينهن:


ــ "فضّها يا حمزة، وخلينا كلنا نروح علي بيوتنا، وبعدين يبجى لينا كلام تاني..."


وبثقة في حكمة شقيقته، كاد أن يقتنع ويؤجّل التحقيق، رغم الحيرة التي تأكل رأسه، ونيران الحماية تدفعه لحرق الأخضر واليابس دفاعًا عنها، حتى كاد يلين رضوخًا لنظرة استجداء ترمقه بها، ولكن هالة التي قرأت ما ينويه، أبت أن ينتهي الأمر بذلك الهدوء، لتلفت الأنظار نحوها قائلة:


ــ "وحتى لو أجلتوا الكلام لبعدين، احنا يا بوي منعرفش حاجة، الأمر كله في يد التلاتة: روان ومزيونة، بيتعاركوا على حمزة، وليلى طبعًا في صف أمها!"


إلى هنا، وقد فاض الكيل وطفح، صرخت بها مزيونة:


ــ "بتقولي إيه انتي كمان؟! الله يخرب بيت أبوكي! خلوني أمشي... خلوني أمشي!"


دافعت هالة، تدّعي الفهم:


ــ "يا بوي وأنا مالي! أنا بقول اللي بعرفه وبس!"


صاح خليفة مقاطعًا لها بحزم وعنف:


ــ "اخرسي يا هالة، ما أسمعش نفسك خالص!"


حدجتها منى بنظرة قاتلة، وقد فقدت الأمل في تهدئة الأمر، مع انتباهها لملامح شقيقها التي تبدلت إلى شر مطلق نحو روان، التي اجفلت من فعل هالة، فباتت تتخبط في حديثها:


ــ "هي مكانتش خناقة... أنا بس كنت بنبّه عليها، دا غير إني شفتكم بعيني من شوية... وانت بتحاول... قصدي..."


ــ "جفلي!"


صاح بها بقوة ليوقف هذيانها في الحديث، وقبل أن يرمش بعيناه نحو تلك التي طالتها هذه الكلمات، سمع صوت ارتطام قوي يتبعه صرخات ليلى التي سقطت معها على الأرض وهي تحاول نجدتها، تتخبط بجزع، أنساها وضعها كامرأة تحمل طفلًا في بداية شهوره:


ــ "أمي... أمي... أمي هتروح مني!"


التف الجميع حولهما من أجل تهدئتها وإفاقة والدتها، أمام أبصار من كاد أن يلمس السماء عجزًا عن الاقتراب منها، حتى نسي تلك المدعوة روان وثأره معها، وقد هربت المذكورة راكضة نحو الخارج بعد تفاقم الموقف.


معاذ، الذي لف ذراعيه حول زوجته ليرفعها عن الأرض، يحاول تهدئتها كي لا تؤذي نفسها بتلك الأفعال، لكن حالتها لم تكن طبيعية على الإطلاق. ذلك الضغط الجديد جعلها تقاوم بانهيار وصراخ ورفض حتى لسماع الآخرين:


ــ "بعد عني! سيبوني! أنا عايزة أمي! عايزة أمي يا معاذ!"


ــ "اهدي، بجولك يا بت! أمك هتفوق دلوك، إنتي اللي هتضيعي نفسك!"


تدخلت حسنية، التي يكتنفها الرعب عليها، الوجه النصائح لها وابنها:


ــ "يا بتي، أمك هتفوق دلوك وتبجى زي الفل... وانت يا معاذ، براحة عليها يا ولدي، يمكن تهدى!"


ــ "براحة فين يا أمه؟ هو أنا جادر عليها؟ هتأذي نفسها، والعيل... الله يخرب مطنها!"


حتى صراخه، وقوته التي فرضها للسيطرة علي تشنجها وتهدئتها، كل هذا لم يأت بنتيجة.

وفجأة، ارتخت بين يديه، أغمضت عينيها، وتمتمت ببعض الكلمات غير المفهومة، ثم غابت عن الوعي هي الأخرى

................................ 

داخل المشفى الذي نُقلت إليه الاثنتان، وللمرة الثانية تحتل كل واحدة منهما غرفة منفصلة، كأن بين الأم وابنتها ارتباطًا روحيًا عجيبًا، وكأنما خُلقتا توأمين متطابقين؛ يمرض أحدهما فيتأثر الآخر بمرضه، فيمرض مثله.


جلست حسنية على أحد مقاعد الانتظار، تتمتم بحزن، مرددة:


ـ "عين وصابتهم، عين ورشّجت تعكنن علينا كلنا... منه لله اللي عملها وجلب فرحتنا، منه لله!"


تدخلت هالة متعاطفة:


ـ "فعلاً يا مرة عمي، منها لله... ربنا يجازيها بعملها."


فهمت المرأة إلى ما ترنو إليه، تقصد زوجة حمزة السابقة، فحدجتها بنظرة غاضبة أخرستها، وقد كانت في هذه اللحظة لا تطيق النظر إليها، فاكتفت بالصمت مجبرة. لتصطدم عيناها بعيني زوجها الذي همّ بالتوعد، قائلًا:


ـ "حاولي تنجّطينا بسكاتك أحسن، وراعي الظرف، ولينا بيت نتحاسب فيه إن شاء الله."


...


أما في داخل غرفتها، فقد استفاقت لتعود إلى وعيها، وكان وجهه أول ما وقعت عليه عيناها، فتذكرت على الفور، وصرخت به كأنما رأت عفريتًا أمامها:


ـ "أنا إيه اللي جابني هنا؟! بِتّي فين؟! عايزة أشوف بِتّي... ودّوني عند بِتّي!"


حاول حمزة بيأس أن يُهدّئها أو يجعلها تسمع منه، لكنها كانت كالمجنونة لرؤيته. ومع كل محاولات شقيقاته، لم يفلح أحد في تهدئتها، لتُصر على الذهاب إلى ابنتها، وتخرج برفقتهن، تاركة له الغرفة يغمغم متوعدًا في إثرها:


ـ "والله لأجيبلك حقك، ولو في خشم السبع! مبقاش حمزة القناوي إن ما كنت أجيبه."

...يتبع


عايزين تطمنوا على ليلى وتعرفوا اللي هيجرا مزيونة ،

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع